bourita madrid 600x330 - المغرب لم يعد مستعمرة إسبانية منذ زمن طويل

المغرب لم يعد مستعمرة إسبانية منذ زمن طويل

يبدو أن إسبانيا الاستعمارية لم تستسغ بعد إلى يومنا هذا أن المغرب دولة مستقلة ذات سيادة كاملة. لا تزال النزعة الكولونيالية تتحكم في القرار الإسباني تجاه المغرب، ولا تزال الأحزاب السياسية الإسبانية تنظر إلى بلدنا باعتباره ضيعة خلفية لمدريد والاتحاد الأوربي، ودركي يمكنه أن يحرس سواحلها وحدودها مقابل تلك الهبات والمساعدات التي تمثل فتاتا مما تجنيه أوربا من خيرات إفريقيا والعالم العربي. وما يؤكد هذه النظرة الإسبانية هي أن سلطات مدريد لا تريد أن تصدق أن الوضع في المنطقة قد تغير، وأن مغرب الأمس الذي كان يساير الأوضاع حماية لحدوده ووحدته، لم يعد يقبل المسايرة اليوم، وينتظر من إسبانيا مواقف صريحة وواضحة تجاه قضية وحدتنا الترابية.

لقد شهد ملف الصحراء تطورات هائلة في العامين الماضيين، تميزت بالاعتراف الأمريكي بمغربية الأقاليم الجنوبية وتزايد القنصليات والتمثيليات الدبلوماسية من كل الأقطار، والردع الحاسم للخروقات الميدانية لعصابات الانفصاليين في الكركرات وغيرها. وقد سمعت مدريد قبل يومين كيف أكد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن لنظيره المغربي أن الرئيس جو بايدن لن يتراجع عن قرار الاعتراف بمغربية الصحراء. مدريد تتجاهل كل هذه التطورات، وتواصل معاكسة الوحدة الترابية للمغرب وابتزازه في ملفات عديدة علما أنها أكبر المستفيدين من ثروات المنطقة عبر أساطيلها الضخمة التي تصطاد في سواحلنا وعبر مقاولاتها التي تستثمر الفرص الهائلة في مجالات مختلفة.

لذلك كان من المهم جدا أن يتحدث وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بكامل الصراحة مع الإسبان عبر وكالة أنبائهم الرسمية بالأمس. كم كانت رسائل هذا الحوار واضحة ومباشرة، تؤكد للإسبان أن المغرب تغير، وأنه لم يعد يقبل أن يكون عرضة للابتزاز، ولا أن يلعب دور الدركي في الوقت الذي تستمر فيه إسبانيا في احتضان الانفصال وقياداته، وهي تسمح لزعيم انفصاليي البوليساريو بدخول أراضيها بدعوى تلقي العلاج، متجاهلة في الوقت نفسه أنه موضوع متابعة قضائية من طرف ضحاياه على الأراضي الإسبانية. ناصر بوريطة كان شرسا إلى حد بعيد في توجيه الرسائل التي ينبغي أن تصل إلى المسؤولين الإسبان الذين حان الوقت لكي يراجعوا تماما سياساتهم واستراتيجياتهم تجاه المغرب.

ويتضح من ثنايا مضمون هذا الحوار أننا ندخل مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات بين المغرب وإسبانيا. لقد كان بوريطة واضحا وهو  يضع “البيضة فالطاس”، مؤكدا أنه يجب أولاً توضيح الأمور بشأن موقف إسبانيا من قضية الصحراء قبل اتخاذ خطوة إلى الأمام في العلاقات الثنائية. لم يعد مقبولا أن تستمر إسبانيا إذا في أنانيتها المبنية على منطق اللعب على الحبال. استغلال تعاون المغرب الكامل في محاصرة الهجرة السرية والإرهاب والتهريب وغيرها من الظواهر، بينما تنتظر منه أن يظل صامتا ومستكينا عندما تستقبل الانفصاليين وتدعمهم سياسيا ودبلوماسيا في مختلف المحافل الدولية. لن ينسى المغرب أبدا أن وزيرة الخارجية الإسبانية بذلت كل ما تملك من جهود وعلاقات واتصالات لثني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن توقيع قرار الاعتراف بمغربية الصحراء.

وفي ظل استمرار هذا المنطق، يبدو المغرب اليوم أكثر استعدادا من أي وقت مضى، للتشبث بمراجعة شاملة للعلاقات بين البلدين. يجب أن تنضبط هذه العلاقات لمنطق واحد واضح وغير مزدوج، تحترم فيه مدريد مقدسات المغرب ووحدته وتلتزم بمقتضيات الأعراف الدبلوماسية المنظمة لهذه العلاقات. وإذا كانت إسبانيا تبحث عن ضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية في المغرب والمنطقة، فإن ذلك لا يجب أن يتم على حساب سيادة المغرب واحترام مطالبه وانتظاراته. فالمغرب لم يعد مستعمرة إسبانية منذ زمن طويل.

شاهد أيضاً

roimohammedviportrait11 1 310x165 - تعيينات ملكية.. امزازي واليا على سوس وسيطايل سفيرة في فرنسا

تعيينات ملكية.. امزازي واليا على سوس وسيطايل سفيرة في فرنسا

عين الملك محمد السادس، اليوم الخميس، في المجلس الوزاري، الذي ترأسه بالرباط، مسؤولين جددا في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *