azizi 480x330 - ماذا وجد الجمهور في "عزيزي الطيب" حتى يبكي لوفاته؟

ماذا وجد الجمهور في “عزيزي الطيب” حتى يبكي لوفاته؟

هناك سر ما في شخصية عزيزي الطيب، الأب والزوج والراعي في مسلسل “بنات العساس”. مشهد وفاته المفاجئة بسكتة قلبية يختزل الكثير من آلام وإحباطات الأسر المغربية التي تابعت هذا المسلسل الرمضاني بشغف كبير. لقد اعترف الكثير من متابعي هذا المسلسل بأنهم بكوا بحرقة وألم وذرفوا الدموع تعاطفا مع الرجل الطيب الذي وجدوا فيه شيئا مما افتقدوه أو نسوه أو يحلمون به. تبدو شخصية الرجل الذي جسده الممثل بدري منصور، شخصية مفرطة في المثالية، إنها تجسيد لليوطوبيا المسرحية التي تضع إحدى الشخصيات في مركز اهتمام وتعلق وارتباط باقي الشخصيات الأخرى.

عمي الطيب بهذا المعنى مثّل شخصية محورية محركة للأحداث ومؤثرة في أدوار الفاعلين الآخرين قبل وبعد الممات. لقد ظهر ذلك بجلاء في الدور الذي لعبه في احتضان أختي زوجته ورعايتهما إلى أن تمكنتا من شق طريقهما في الدراسة والحياة المهنية وامتلاك الشخصية المادية والمعنوية المستقلة في مجتمع لا يزال ينظر إلى المرأة نظرة امتهان ونقص. هذه التيمة التي يمكن تسميتها بالمعنى النضالي بتيمة “نسوية الرجل” Féminisme masculin ، تكسر رتابة ميزت الأعمال الدرامية في العقد الأخير، حيث هيمنت عليها باستمرار تيمة نسوية النساء، وتجسدت بشعار تداولته الكثير من الأعمال التي كانت بطلاتها نساء يصحن بأعلى أصواتهن “امرأة وقادة”.

المرأة في مسلسل “بنات العساس” قادة، لكن بفضل ودعم رجال من أمثال “عزيزي الطيب” المحاط بنساء من كل الأعمار والشرائح والمستويات الفكرية. فهو الزوج الذي يظهر محبا محترما لزوجته عطوفا عليها إلى أبعد الحدود، ويتجلى هذا الموقف بقوة من خلال الحوارات التي أسندت إلى شخصية “عزيزي الطيب”، فهي غالبا ما تنحو إلى أن تكون جُملا لبقة وهادئة تسعى لطمأنة الآخر (المرأة على الخصوص) وبعث الأمل في النفوس ومداواة جراح الماضي. هنا تقدّم كلمات الطيب كبلسم للمعاناة الاجتماعية التي يمكن أن تخلفها مثلا النشأة في حضن أب سكّير ومقامر لا يتحمل أي مسؤولية في رعاية من يتولاهم.

مقابل هذا الأب المدمن واللامسؤول تزداد شخصية عزيزي الطيب في هذا المسلسل ألقًا في معاملة متميزة لشقيقتي زوجته، وبقدر كبير من الانفتاح. فالرجل المتدين الذي تظهر على جبهته علامة الصلاة بوضوح مقصود هو في الوقت نفسه شخصية عصرية لا تعارض طموحات المرأة في العمل والبحث عن الذات واستكمال الدراسة وهذا ما أدى إلى إخراج الشقيقات الثلاث اللواتي بدأن الحكاية هاربات من العنف والفقر إلى حالة الاستقلالية والتحرر من القيود الاجتماعية والعرفية التي وُلدن في خضمها. وتستثمر الحكاية هنا بعدا أخلاقيا بارزا في شخصية الطيب، الذي لا يمتلك طموحات أنانية كتلك التي يمتلكها رجل الأعمال ادريس الباحث عن الثروة وإشباع نزواته ومغامراته النسائية.

هناك تقابل إذا بين ثلاثة أصناف من الرجال: الطيب، والشرس والمستهتر. وفي هذا التقابل البارز في المسلسل انتصار صارخ للشخصية الأولى. وهو اعتراف بالفم الملئان بافتقاد مجتمعنا والمرحلة التاريخية الحاسمة التي نعيشها إلى رجال من طينة عزيزي الطيب، الذي يقدم تضحيات لا حدود لها لكل النساء دون أن ينتظر ذلك المقابل المادي أو الجنسي الذي يبحث عنه رجال آخرون، في مرحلة تتميز بتحول اجتماعي كبير على مستوى القيم تتصارع فيه النظرة التقليدية المنغلقة مع النظرة الحداثية المفتحة. وبين النظرتين نظرة شخصية الطيب الموازنة بين قيم تمغربيت الأصيلة ومواكبة رياح الحداثة.

إن موت الطيب موت مختلف للأب لا يرتبط بعقدة نفسية في العمل الدرامي بقدر ما يُذكّر المشاهد بالثروة اللامادية الثمينة التي يمكن أن يمثلها حضور الرجل المنفتح والمسؤول والحنون في قلب الأسرة المغربية. إنه موت يعيد الاعتبار للآباء والأزواج في زمن انشغلت فيه القوانين والمؤسسات والخطابات السياسية والحقوقية بالدفاع عن الفئات الهشة كالنساء والأطفال وغيرهم متناسية أن إنصافهم لا يمكن أن يتحقق إلا بآباء وأزواج مناضلين غالبا ما يكتمون معاناتهم من أجل راحة الآخرين وسعادتهم.

شاهد أيضاً

52001 1024x534 1 780x470 1 310x165 - البشير عبدو: الحكم الصادر ضد ابني سعد قاس وغامض

البشير عبدو: الحكم الصادر ضد ابني سعد قاس وغامض

في أول خروج له بعد الحكم الصادر ضد ابته سعد لمجرد، وصف البشير عبدو، عبر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *