في إحياء الذكرى الخمسينية لأحداث 3 مارس 1973 تقاطعت بدار المحامي بمدينة الدار البيضاء أمس الخميس شهادات قدماء المناضلين مع قراءات المؤرخين وبيانات النشطاء الحقوقيين في أول استعادة تاريخية ينظمها مركز بنسعيد آيت إيدر للدراسات والأبحاث من أجل فتح الباب أمام تسليط الضوء على هذه المحطة التاريخية التي شهدت تصادما بين النظام السياسي والمعارضة.
وفي هذا الإطار لم يتردد عبد الصمد صدوق رئيس مركز بنسعيد آيت إيدر للدراسات والأبحاث في التأكيد على أن الاهتمام بذاكرة أحداث 3 مارس 1973 يأتي في سياق توسيع الذاكرة الجماعية للمغاربة حتى تحتضن الجميع، مؤكدا على ضرورة إعطائها المكانة الحقيقة اللائقة بها من أجل توثيقها.
ولم يوفر عبد الصمد صدوق خلال هذا اللقاء الذي نُظم تحت شعار “من أجل استعادة هادئة للذاكرة” قراءته النقدية لمسار المقاربات التي عرفتها الذاكرات الجماعية بالمغرب التي كانت –على حد قوله- “محتكرة إلى حدود نهاية القرن العشرين تهيمن فيها الذاكرة الرسمية التي تهمش الذاكرات الأخرى وتقصيها سواء تعلق الأمر ببرامج الاحتفالات أو بأسماء الشوارع أو في كتب التخليد أو البرامج المدرسية أو الإعلامية”.
وللاستدلال على هذا الواقع لم يجد المتحدث بدا من تعداد هذه الذاكرات التي تعرضت “للتشويه كالذاكرة الأمازيغية والإفريقية وذاكرة أهل الشمال والصحراوية والعبرية” مؤكدا أن أكثر ذاكرة تعرضت للإقصاء هي “ذاكرات مكونات حركات التحرر الوطني المغربي لأن الحاملين لها كانوا عموما وطنيين اختلفوا وتصادموا مع الملكية حول بناء الدولة الوطنية بعد الحماية”.
أما الناشط الحقوقي إبراهيم أوشلح، رفيق درب الفقيه البصري وعبد الرحمان اليوسفي، فقد كان حريصا على تفسير أسباب اختيار شخصية محمود بنونة كشخصية مركزية في هذا الإحياء باعتبار “محمود بنونة الوطني الثوري ونظرا لما يشكله من رمزية لجيل ما بعد الاستقلال”. ولم يفت إبراهيم أوشلح التأكيد على حساسية ودقة هذا اللقاء، مع التنبيه إلى “أهدافه النبيلة التي ترتكز على إيلاء الذاكرة ما تستحقه من اهتمام من أجل المساهمة من جهة في التوضيح التاريخي لما جرى ومن جهة أخرى في كشف الحقيقة وتحقيق الإنصاف”.
وذكّر المتحدث بمضامين الرسالة الملكية التي تلقاها المشاركون في الذكرى الخمسينية لاختطاف المهدي بنبركة المنظمة بالمكتبة الوطنية في أكتوبر 2015، مستحضرا تأكيد العاهل الملكي محمد السادس على “أن الشعب المغربي لا يتهرب من ماضيه ولا يظل سجين سلبياته، بل يعمل على تحويله إلى مصدر قوة ودينامية من أجل العمل على بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي”.
وقال إبراهيم أوشلح إن إحياء الذكرى الخمسينية لأحداث 3 مارس 1973 يأتي منسجما مع هذه المضامين الملكية من أجل “المساهمة في تصحيح المسار التاريخي دون بطولية مفرطة ولنوضح أولا أن أحداث 3 مارس تندمج في التاريخ السياسي للأمة المغربية، وكانت خاتمة مواجهة دامت عدة عقود بين المعارضة والنظام القائم وصراعا حول طبيعة النظام ومؤسساته”.
وفي هذا السياق أوضح أوشلح أن انتفاضة 3 مارس نُظمت من قبل كوادر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وهم بالمئات بهدف تحقيق الانعتاق للمواطن المغربي، مؤكدا أن هذه الحركة كانت تتبنى البرنامج السياسي المنبثق آنذاك عن برنامج الكتلة وحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إضافة إلى أنها كانت تعتبر “قضية تحرير صحرائنا ووحدة بلادنا وتحرير مدننا المحتلة أهم حافز للمشاركين”.
وأشار أوشلح إلى أن هذه الأحداث راح ضحيتها الآلاف من المعتقلين والمعدمين والمختطفين، بينما لم يكن العديد من الذين اعتقلوا منخرطين في التنظيم المسلح وكان بعضهم ضد هذا الأسلوب، “لكن أجهزة القمع كانت مسلطة على كل الاتحاديين والتقدميين حتى أولئك الذين تمت تبرئتهم في محاكمة القنيطرة”. ونبّه المتحدث إلى أن اعتماد هذه الانتفاضة على العمل من الخارج نسبيا لا يعني أنها كانت خاضعة لأي نظام أجنبي سواء تعلق الأمر بالجزائر أو ليبيا.
وعرف هذا اللقاء تقديم مجموعة من قدماء المنتمين إلى الحركة التي كانت وراء انتفاضة 3 مارس 1973 لشهاداتهم عنها، كعبد الله المالكي ومحمد التوزاني، إضافة إلى تقديم المهدي بنونة مؤلف كتاب “أبطال بلا مجد” لقراءة تأريخية في شخصية محمود بنونة والسياق الذي جاءت فيه أحداث 3 مارس 1973.
كما عرف هذا اللقاء عرض شريط وثائقي يتضمن شهادات ومقتطفات من الأحداث السياسية التي عاشها المغربي في أعقاب الاستقلال والصراع الذي كان دائرا خلالها بين النظام السياسي القائم والمعارضة.