من تدابير القدر أن يتزامن العام الثاني من جائحة فيروس كورونا المستجد مع قرب موعد الانتخابات التشريعية التي قد تجري في شتنبر المقبل. ومن تدابير الفرقاء السياسيين أن يحاولوا بمختلف مشاربهم ومواقعهم أن يستغلوا هذه الجائحة لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية ووضع قدم أولى بين صفوف الفائزين في الاستحقاقات القادمة. قبل أيام قليلة أطلق الملك محمد السادس من مدينة فاس ورش الحماية الاجتماعية بالتوقيع على ثلاث اتفاقيات تهم البدء في تعميمها. وبسرعة التقط رئيس الحكومة سعد الدين العثماني المناسبة لتعزيز موقع الجهاز التنفيذي وهو يصرح أن إنجاح هذه المهمة سيكون خير خاتمة لعمل الحكومة، التي حرصت منذ بدايتها على أن تكون اجتماعية بامتياز.
وبينما عكس هذا التجاذب السياسي الهادئ بين مختلف الفاعلين السياسيين جانبا من التوظيف السياسي لنتائج جائحة فيروس كورونا المستجد، تأكد بالملموس أن هذه الأزمة الصحية لم تسلم بتاتا من محاولات الجميع الركوب على تداعياتها ونتائجها وعلى المقاربات التي تم نهجها للتصدي لها. في هذا الإطار كان من الواضح ذلك التوجيه الإعلامي والاجتماعي نحو انتقاد الحكومة وقراراتها بشكل مكثف، واتهامها بمختلف التهم بسبب إجراءات الحجر والإغلاق التي فرضتها في الآونة الأخيرة. بل لم تتردد بعض التيارات الإسلاموية في توظيف قرار منع تنظيم صلاة التراويح في المساجد للهجوم على الحكومة والدولة، واتهامها بالخروج عن قيم المغاربة وهويتهم وحرمان المواطنين من حقوقهم الشعائرية.
لقد بدأ هذا التوظيف السياسي مبكرا عندما تقرر في العام الماضي إغلاق كل مظاهر الحياة الاقتصادية والعامة، وبرز داخل الأغلبية الحكومية نوع من التصدع والأنانية الحزبية، تجلى في إبراز الدور المهم الذي لعبه بعض الوزراء المحسوبين على حزب معين في إنجاح قرار الحجر الصحي وتجنيب المغرب الكوارث الاقتصادية الناجمة عنه. كانت هناك أصوات وشخصيات عامة ومنابر إعلامية عديدة روجت لصورة وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار باعتبارهم رجال المرحلة، وامتدحت كثيرا أداء وزير الفلاحة عزيز أخنوش ووزير الصناعة مولاي حفيظ العلمي.
لم تنج أحزاب المعارضة بدورها من إغراء التوظيف السياسي للجائحة. لقد تم استغلال المعطيات المتعلقة بالهشاشة الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة إلى أبعد مدى في الخطاب السياسي للمعارضة. ولم يتردد أحد أقطاب الأحزاب الخارجة من الحكومة الحالية أن يصرح في العام الماضي بذلك الرقم المهول الذي كشف أن 20 مليون مغربي تقريبا يعيشون في وضعية هشة، علما أن حزب التقدم والاشتراكية الذي يمثله نبيل بنعبد الله كان من بين أهم الأحزاب السياسية التي أنتجت بتدبيرها على مدى العقدين الماضيين جزء كبيرا من هذه النتائج الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
وإذا كان الاستغلال السياسي لهذه الجائحة بين الفرقاء السياسيين أمرا متوقعا بالنظر إلى طبيعة الصراع الحزبي والتجاذبات داخل الأغلبية أو المعارضة، فإن من أهم مظاهر التوظيف التي انتبه إليها الكثير من الحقوقيين على الخصوص، تلك التي طالت هامش الحريات، وأدت إلى تكريس حالة الطوارئ وتقليص مساحات التحرك بالنسبة للمواطنين. ولم يتردد هؤلاء الحقوقيون في اعتبار حالة الطوارئ ذريعة تم استغلالها لمنع المواطنين أحيانا من ممارسة حقوقهم الدستورية. ويضرب هؤلاء المثل بما حدث في المسيرات التي نظمتها بعض التنسيقيات والنقابات الفئوية، مثل تنسيقية الأساتذة المتعاقدين، وتعرضت أحيانا للمنع بدعوى خرقها لحالة الطوارئ الصحية.
واليوم ونحن على مبعدة شهور قليلة من موعد الانتخابات التشريعية، تتعزز عملية الاستغلال والتوظيف السياسي لجائحة فيروس كورونا شيئا فشيئا، ومن المرتقب أن يكون الفيروس التاجي واحدا من رموز المرحلة المقبلة، خصوصا خلال فترة الحملة الانتخابية، التي يفترض أن تقدم فيها الأحزاب مقترحاتها وبرامجها للخروج من تداعيات الأزمة الصحية.