تتراكم المؤشرات الإيجابية المتعلقة بمصير معتقلي حراك الريف على بعد أيام قليلة من مناسبة عيد الفطر التي عادة ما تشهد عفوا ملكيا عن عدد من السجناء والمحكومين على ذمة قضايا وملفات من مختلف المجالات. وتزايدت هذه المؤشرات إيجابية بعد شروع المجلس الوطني لحقوق الإنسان قبل أيام في استقبال عائلات معتقلي الحراك الريفي، ومعتقلين سابقين ضمن أحداث جرادة. وقد بعث انخراط المؤسسة الرسمية لمتابعة الملف الحقوقي في هذا الموضوع أملا جديدا في نفوس عائلات وأسر المعتقلين الذين يعيشون الساعات الفاصلة عن عيد الأضحى بترقب شديد.
وبينما حظي كل هؤلاء المعنيين بقضايا المعتقلين باستقبال رسمي من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تتنامى مؤشرات إيجابية على قرب إنهاء هذا الملف بعد أن تم الإفراج عن دفعات كبيرة من هؤلاء المعتقلين ولم يتبق إلا القليل منهم من القيادات المحكومة بمدد زمنية طويلة وعلى رأسهم زعيم الحراك ناصر الزفزافي. وإذا ما انتبهنا إلى المنطق التدريجي الذي قاربت به الدولة ملف العفو عن المعتقلين فإن كل المؤشرات تدل على إمكانية حسم هذا الملف وطيه بمناسبة عيد الفطر المرتقب. كما أن التطورات الإعلامية التي شهدها ملف المعتقلين سواء من أصحاب الحراك أو من الصحافيين تزيد من احتمالات التوجه نحو محاصرة الوضع واستباق ما يمكن أن يحوله إلى قضية دولية.
ففي الأسابيع القليلة الماضية خلقت حركة الإضرابات عن الطعام احتجاجا على الاعتقال جدلا واسعا، وبدأت قضية الصحافيين المعتقلين تتخذ أبعادا خارجة عن نطاقها الوطني، مع تنامي الحركة التضامنية خصوصا في على شبكات التواص الاجتماعي، وشروع بعض الجهات الدولية في التعبير عن مواقفها تجاه ذلك. ومع تعدد الملفات التي تعرف اهتماما إعلاميا وحقوقيا كبيرا لن تتردد السلطات في نهج استراتيجية التهدئة واتخاذ قرارات يمكنها أن تحافظ على الصورة الإيجابية لأوضاع حقوق الإنسان في المغرب. وبعد الإفراج عن الأستاذ الجامعي المعطي منجب، رأى الكثير من المراقبين أننا مقبلون على مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي هو المصالحة للالتفات إلى القضايا الساخنة التي تقض مضجع السلطات.
ويتزامن هذا الترقب من أجل طي ملف المعتقلين مع تحولات وتطورات دبلوماسية واجتماعية وسياسية آنية ومرتقبة. فمن جهة يدخل المغرب منذ أسابيع معركة دبلوماسية طاحنة في مواجهة كل من إسبانيا وألمانيا من أجل الحسم في مسألة احترام سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. ويبدو أن هذه المعركة التي عرفت اتخاذ قرارات كبيرة منها تجميد التعامل مع السفارة الألمانية، لا تزال طويلة، وتحتاج إلى تكاثف داخلي وتقوية للجبهة الوطنية، بعيدا عن أي ثغرات يمكن أن تؤثر على وحدة الموقف وصواب القرار. وفي هذا السياق لا بد من التذكير هنا بالحوار الصحفي الذي نشرته جريدة “إلموندو” الإسبانية في أبريل الماضي ونسبته إلى ناصر الزفزافي بشكل أثار استنكار والده، الذي نفى ما جاء في هذا الحوار جملة وتفصيلا.
لم يكن صدور هذا الحوار في هذا السياق صدفة بل كان من الواضح أن من ورائه رغبة إسبانية في الاصطياد في المياه العكرة. ومن المؤكد أن أكبر جواب على هذا الاستفزاز الإسباني سيكون بطي ملف المعتقلين وفق مقاربة حقوقية تضمن لجميع الأطراف كرامتهم وللدولة هيبتها. ومما يزيد من استعجالية هذا التوجه السياق السياسي الذي تعيشه البلاد قبيل انتخابات تشريعية بدأت حملتها الانتخابية مبكرا، وتواجه تحديا كبيرا في مواجهة ظاهرة العزوف خصوصا في أوساط الشباب. وتعتبر المسألة الانتخابية أكبر المؤشرات الدالة على قرب انطلاق مرحلة جديدة تتميز بقدر كبير من التهدئة من جهة الدولة تجاه كل مراكز القوى التي تُحسب حقا أو باطلا على صفوف المعارضة.