أسعار الغذاء تلغراف 660x330 - هل يقسم كابوس التضخم ظهر الاقتصاد العالمي؟

هل يقسم كابوس التضخم ظهر الاقتصاد العالمي؟

مأزق حقيقي يعيشه الاقتصاد العالمي ويمكن أن تكون تداعياته كارثية من الناحية الاجتماعية، فتراكم الديون العامة فرض على البنوك المركزية نهج سياسة التيسيير المالي وخفض معدلات الفائدة، وهو ما دفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة تهدد بقسم ظهر التوازنات الماكرو-اقتصادية والاجتماعية على السواء.

 

ما كاد العالم يخرج من جائحة كورونا وتداعياتها الخطيرة على الاقتصاد العالمي، حتى وجد الأخير نفسه أمام كابوس جديد فرض نفسه مدفوعا بتزايد الطلب ونقص المعروض.
ارتفاع غير مسبوق في مستويات التضخم، لم يستثن أكبر اقتصادات العالم، وسط توقعات بأن تكون تداعياته أكبر على الدول النامية والأقل دخلا.

أزمة أصبحت تهدد الاقتصاد العالمي، ووضعت الدول أمام معادلة صعبة بين التخفيف من مستويات التضخم وتحريك عجلة الاقتصاد.

وبينما يعتبر بعض خبراء الاقتصاد أن هذه الأزمة ظاهرة مؤقتة ترتبط بأزمة كورونا وتعطل سلاسل الإمدادات، يعتبر آخرون أنه من الصعب توقع متى ستنتهي أزمة ارتفاع التضخم العالمي.

فهل هذه الأزمة مؤقتة أم دائمة؟ وما تداعياتها على تعافي الاقتصادات؟ وكيف يمكن تخفيف الضغط على سلاسل الإمدادات العالمية؟

مأزق جديد

منذ 2008 تراكم الدين العام للحكومات، فقد بلغ 125% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، في حين تجاوز حاجز 100% هذا الصيف في منطقة اليورو.
وفي تقريرهما الذي نشرته صحيفة “لاتريبون” (latribune) الفرنسية، قال إريك منغوس (أستاذ في الاقتصاد وعلوم القرار بجامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال في باريس) وجيوم بلانتين (باحث وعميد معهد الدراسات السياسية بباريس) إن التخفيض في أسعار الفائدة أسهم في إعادة تمويل الدين العام، في حين بررت نسبة التضخم المتدنية عمليات الدعم النقدي التي تقوم بها البنوك المركزية.

يشعر بعض المراقبين وعلى رأسهم الخبير الاقتصادي في جامعة شيكاغو جون كوكرين، ووزير الخزانة السابق في عهد بيل كلينتون والمستشار الاقتصادي السابق لباراك أوباما لاري سامرز، بالقلق إزاء قدرة البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة أو خفض احتياطاتها عند الضرورة لتحقيق هدفها المتمثل في استقرار الأسعار.

وبالنظر إلى حجم الديون في الوقت الحالي، تستطيع الحكومات الاستفادة من سياسة نقدية تيسيرية قد تؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم، ومن شأن ارتفاع الأسعار أن يقلص القيمة الحقيقية للديون الحكومية ومن ثم يخفف من عبئها، وهو ما سيعرقل أي تضييق تنوي البنوك المركزية القيام به.

وتسلط هذه المخاوف الضوء على خطر التحول من “الهيمنة النقدية”، التي تعني أن البنك المركزي لن يواجه عقبات مالية تحول دون تحقيق هدفه المتمثل في تحقيق استقرار الأسعار، إلى “هيمنة الميزانية” التي تحيل إلى أن هدف السياسة النقدية سيكون التعامل مع التضخم في المقام الأول لضمان قدرة الهيئة الضريبية على سداد الديون.

ومع التحول إلى هيمنة الميزانية، فإن معدل التضخم المسجل حاليا الذي يُعدّ مرحلة عابرة قد يصبح ثابتا في المستقبل، ومن ثم سيكون الحد منه صعبا، وفي الحقيقة يعد التهديد الذي ينطوي على “هيمنة الميزانية” موضوعا مثيرا للانقسامات، خاصة بين صفوف حكومات الاتحاد الأوروبي.

لعبة الدجاجة المبللة

ذكر الكاتبان أن الرفع في أسعار الفائدة نتيجة تشديد البنك المركزي سياسته النقدية يمكن أن يزيد عبء ديون الحكومة التي سيتعين عليها بناء على ذلك ضبط الأوضاع المالية إما عن طريق زيادة الضرائب أو التقليص من الإنفاق الحكومي، وبالنظر إلى حجم الديون الذي يثقل كاهلها قد لا تحاول الحكومات الحد من العجز في الميزانية، أو قد تلجأ بدلا من ذلك إلى زيادة مديونيتها أملا في إجبار البنك المركزي على التراجع عن سياسته النقدية المتشددة.

في بحثهما الأخير، حلّل الكاتبان الحوافز التي يمكن أن تدفع الحكومة إلى الضغط من أجل فرض هيمنة الميزانية أو الامتثال للهيمنة النقدية.
في الحالة الأولى، أطلق الخبير الاقتصادي الأميركي نيل والاس في عمل مشترك مع توماس سارجنت الحاصل على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2011، على المناورة القائمة بين الحكومة والبنك المركزي اسم “لعبة الدجاجة المبللة”، وتقوم هذه اللعبة على قيادة سائقين سيارتيهما في اتجاه بعضهما بعضا، والخاسر هو الذي ينحرف أولا عن مساره لتجنب الاصطدام.

وعلى هذا النحو، تواصل الحكومة تسجيل عجز في الميزانية في حين يحافظ البنك المركزي على سياسته النقدية التقييدية إلى حين إيجاد حل لتجاوز هذا الفخ الاقتصادي، يكون إما عن طريق ضبط الحكومة الأوضاع المالية أو سماح البنك المركزي بارتفاع معدل التضخم.
أظهر البحث أن هيمنة الميزانية تعني أن الحكومة ستلجأ إلى استنزاف قدرتها الضريبية، والتخلف عن سداد ديونها في ظل غياب هوامش التمويل، إما بسبب عدم خفض الإنفاق أو عدم فرض ضرائب إضافية، والسؤال المطروح: ما الذي يؤدي إلى تدهور الكفاءة الضريبية للحكومة؟
تؤدي الصدمات الاقتصادية مثل الركود أو الأزمات إلى تراجع الإيرادات الضريبية، أو زيادة الإنفاق العام لدعم الاقتصاد، وقد أظهر البحث أنه يمكن لهيئة الإيرادات استنفاد قدرتها الضريبية عمدا، فبدلا من توحيد الجهود قد تقرر الحكومة تسجيل عجز كبير وإغراق سوق السندات المالية، وزيادة حجم الدين يمكن أن يجبر البنك المركزي في نهاية المطاف على السماح بارتفاع نسبة التضخم في المستقبل لتقليص عبء الدين والحيلولة دون التخلف عن سداد الديون السيادية.

مفارقة التضخم الوقائي

في هذه الحالة، هل سيكون البنك المركزي قادرًا على ترجيح كفة “الهيمنة النقدية” أو تقليل التكلفة التضخمية التي تفرضها الهيمنة المالية؟
من المفارقات أن البنك المركزي قد يستفيد من الانخراط في ما يسمى بـ”التضخم الوقائي”، ومن خلال زيادة معدلات التضخم الحالية يمكن للبنك المركزي أن يقلل من القيمة الحقيقية للالتزامات السابقة، ويعزز قدرة الحكومة على سداد الديون.

وفي الوقت الحالي أمام البنوك المركزية خياران: إما السماح لمعدل التضخم بالارتفاع قليلا أو مواصلة اتباع سياسة نقدية متشددة، الأمر الذي قد يجبر الحكومات على اتخاذ تدابير قاسية.

  انهيار اقتصاديات الدول الفقيرة

حذّرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا -أمس الخميس- من أن الدول الفقيرة قد تواجه انهيارا اقتصاديا، ما لم تتفق الدول الأكثر ثراء في العالم على تكثيف جهود تخفيف أعباء الديون عنها.
وقالت جورجيفا -في مدونة شاركت فيها جيلا بازار باشي أغلو مديرة إدارة الإستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد- إن نحو 60% من البلدان المنخفضة الدخل تعاني بالفعل من أعباء الديون، أو هي معرضة لهذا الخطر بشدة مقارنة بأقل من نصف هذه ا
لنسبة عام 2015.

وحذرت جورجيفا وبازار باشي أوغلو من أن “التحديات تتصاعد بالنسبة للعديد من هذه البلدان”.
وقالتا “قد نشهد انهيارا اقتصاديا في بعض البلدان، ما لم يتفق الدائنون بمجموعة العشرين على تسريع إعادة هيكلة الديون وتعليق خدمتها أثناء التفاوض على إعادة الهيكلة”.

وأطلقت مجموعة العشرين للدول صاحبة الاقتصادات الكبرى مبادرة تعليق خدمة الديون في ربيع 2020، والتي تهدف إلى تجميد مؤقت لمدفوعات البلدان المنخفضة الدخل التي واجه العديد منها بالفعل أعباء ديون ثقيلة قبل انتشار جائحة كوفيد-19. ومع ذلك، سينتهي سريان هذه المبادرة بحلول نهاية العام.
وشاب البطء الشديد التقدم في خطة أخرى لمجموعة العشرين، وهي الإطار المشترك لمعالجة الديون الذي يستهدف الحد من إجمالي أعباء الديون على البلدان الفقيرة.

وكتبت جورجيفا وبازار باشي أوغلو تقولان “تظهر التجارب الأخيرة لتشاد وإثيوبيا وزامبيا أنه يجب تحسين الإطار المشترك لمعالجة الديون فيما بعد مبادرة تعليق خدمة الديون”، واعترفتا بأن الإطار المشترك لم يحقق بعد وعوده.

وتعددت أسباب ذلك، فقد أدى التنسيق بين نادي باريس ودائنين آخرين إلى جانب مؤسسات ووكالات حكومية متعددة داخل البلدان الدائنة، إلى إبطاء عملية صنع القرار.

وكتبت جورجيفا وبازار باشي أوغلو تقولان إن “من الأهمية بمكان أيضا أن يطبق دائنو القطاع الخاص تخفيف عبء الديون بشروط مماثلة”.

وفي غضون ذلك، يمكن أن تتسبب البنوك المركزية الكبرى -مثل المركزي الأميركي- في المزيد من المشاكل، في ظل استعدادها للتخلص من سياسات التيسير النقدي.
وكتبتا “لا شك أن عام 2022 سيكون أكثر صعوبة، بينما يلوح في الأفق تشديد السياسات النقدية عالميا”.

شاهد أيضاً

raw 1632767165 310x165 - مبيعات الهواتف الذكية في العالم تواصل انخفاضها

مبيعات الهواتف الذكية في العالم تواصل انخفاضها

واصلت مبيعات الهواتف الذكية انخفاضها على مستوى العالم في الربع الثالث من السنة، وفق ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *