files 660x330 - هكذا تصر الحكومة على تفقير الطبقة المتوسطة في المغرب

هكذا تصر الحكومة على تفقير الطبقة المتوسطة في المغرب

منذ بداية جائحة كورونا، بات أكثر ما يهدد استقرار الطبقة المتوسطة بمختلف فئاتها في المغرب هو تراجع الخدمات العمومية، مقابل ارتفاع الإنفاق المباشر على مجموعة من القطاعات الأكثر استنزافا لمداخيل هذه الأسر، وعلى رأسها التعليم والصحة والسكن والنقل، ما يجعل هذه الطبقة أمام تحدي التراجع إلى مستوى الطبقات المتواضعة بفعل عدم قدرتها على مواجهة متطلبات الحياة أمام ارتفاع مستوى النفقات.

الغوص في تفاصيل هذه النفقات يجعلنا أمام “غول” كبير إسمه التعليم. فعدد كبير من الأسر المتوسطة تضطر إلى اللجوء لخدمات القطاع الخاص في غياب أي تدخل للدولة سواء من أجل ضبط الأسعار وجعلها في متناول هذه الطبقات، أو من حيث غياب تحفيزات ضريبية تخفف عبء هذه النقابات. واقع يجعل هذه الأسر بين سندان تراجع جودة التعليم العمومي ومطرقة جشع القطاع الخاص الذي يفرض نظاما خاص غير قابل للتطويع.

مؤشرات مقلقة

حسب المندوبية السامية للتخطيط، ومن أجل دراسة التأثير على الأسر المغربية، ومن ضمنها الأسر المتوسطة، كان لابد من تحليل تراجع مستوى ثقة الأسر خلال الفصل الثاني من سنة 2021.
فقد أكدت المندوبية، في مذكرة إخبارية حول الظرفية في الفصل الثاني من سنة 2021، أن مؤشر ثقة الأسر انتقل إلى 63,0 نقطة عوض 68,3 نقطة المسجلة خلال الفصل السابق و65,6 نقطة المسجلة خلال الفصل الثاني من السنة الماضية.

وتابعت، أن مكونات مؤشر الثقة تهم آراء الأسر حول تطور مستوى المعيشة والبطالة وفرص اقتناء السلع المستدامة وكذا تطور وضعيتهم المالية.

وخلال الفصل الثاني من سنة 2021، بلغت نسبة الأسر التي صرحت بتدهور مستوى المعيشة خلال ال 12 شهرا السابقة %65,6، فيما اعتبرت 19,6% منها استقراره و14,8% تحسنه. وهكذا، استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 50,8 نقطة عوض ناقص 50,5 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 24,8 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.

أما بخصوص تطور مستوى المعيشة خلال ال 12 شهرا المقبلة، فتتوقع %29,6 من الأسر تدهوره و%40,6 استقراره في حين ترجح %29,8 تحسنه. وهكذا، استقر رصيد هذا المؤشر في 0,2 نقطة مسجلا تراجعا بالمقارنة مع الفصل السابق فيما عرف تحسنا مقارنة مع نفس الفصل من السنة الماضية حيث استقر في 13,2 نقطة وناقص 11,4 نقطة على التوالي.
وخلال الفصل الثاني من سنة 2021، توقعت %80,0 من الأسر مقابل %10,2 ارتفاعا في مستوى البطالة خلال ال 12 شهرا المقبلة. وهكذا استقر رصيد هذا المؤشر في مستوى سلبي بلغ ناقص 69,8 نقطة، مقابل ناقص 62,2 نقطة خلال الفصل السابق و ناقص 75,2 نقطة خلال نفس الفصل من السنة الماضية.

واعتبرت 74,6% من الأسر، خلال الفصل الثاني من سنة 2021، أن الظروف غير ملائمة للقيام بشراء سلع مستديمة، في حين رأت %9,0 عكس ذلك. وهكذا استقر رصيد هذا المؤشر في مستواه السلبي مسجلا ناقص 65,6 نقطة مقابل ناقص 61,6 نقطة خلال الفصل السابق وناقص 68,0 نقطة خلال نفس الفصل من سنة 2020.

زيادة الإنفاق على القطاعات الاجتماعية

إن المتتبع لتطور النفقات، يلاحظ أن الميزانية المخصصة لقطاع التعليم العمومي تضاعفت ثلاث مرات (2.9 مرة) بين 1999 و2013 وهو نفس الارتفاع تقريبا الذي عرفته الميزانية المخصصة له من طرف الأسر (2.7 مرة). تطور أدى إلى ارتفاع وزن نفقات الأسر على التربية والتكوين في التكلفة الإجمالية للتربية من 16 في المائة إلى 25.1 في المائة.
لكن هل ساهم هذا الارتفاع في تحسين جودة التعليم؟ تقول المندوبية السامية للتخطيط إن الارتفاع في نفقات التربية لم يواكبه تطور مماثل في عدد المتمدرسين الذي تضاعف 1.4 مرة بين 1999 و2013. وهذا يعني أن التكلفة التربوية للتلميذ قد ازدادت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، حيث تضاعفت أكثر من مرتين (2.4 مرة)، منتقلة من 5088 إلى 12062 درهم للتلميذ الواحد سنويا.

وتظل وتيرة تطور مؤشرات النتائج في مجال التربية والتكوين بين 1999 و2013 أقل بكثير من وتيرة تطور مؤشرات المدخلات مثل النفقات العمومية ونفقات الأسر. وهذا يدل على أن مردودية الاستثمار في التربية، في ظل المنظومة التعليمية الحالية، لا تواكب الارتفاع الحاصل في النفقات العمومية في هذا المجال.

ارتفاع كلفة المعيشة كان له وقع على عدم استقرار الطبقة المتوسطة، فقد انتقلت حصة نفقات الاستهلاك الغذائية في ميزانية الأسر بين 2001 و2014 من 41 في المائة إلى 37 في المائة على الصعيد الوطني. كما أن وزن مجموع النفقات المرتبطة بـ”التعليم والثقافة والترفيه” إضافة إلى “النقل” و”النظافة والعلاجات الطبية” من 16,7 في المائة إلى21,4 في المائة في الميزانية الإجمالية للأسر.

ومازالت نفقات الصحة تمثل تحديا حقيقا. فإجمالي الإنفاق على الصحة في المغرب زاد بأكثر من الضعف خلال السنوات الـ 15 الماضية ويمثل حوالي 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. بيد أن نصف الإنفاق الصحي يتم تمويله من قبل الأسر، في حين أن مساهمة الدولة من خلال إيرادات الضرائب، تمثل ربع هذه النفقات، بينما يمول التأمين الصحي 22 في من النفقات الصحية.
في هذا السياق، سبق للشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة أن أصدرت تقريرا جاء فيه أنه في الوقت الذي كان منتظرا فيه أن يخفض نظام التأمين الصحي الإجباري من مساهمة الأسر في التكلفة الإجمالية للصحة إلى 25 في المائة، تراوحت قيمة إنفاق الأسر على الخدمات العلاجية، بين 57 و60 في المائة من مجموع كلفة العلاج.

ورغم توفر 46 في المائة فقط من السكان النشيطين على تأمين صحي، مازال ما يزيد عن نصف سكان المغرب على الأقل خارج أية مظلة للتأمين الصحي، وجلهم يفتقرون حاليا لإمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ومن بين 9 ملايين مواطن فقط يستفيدون حاليا من التأمين الإجباري عن المرض، 66.3 في المائة حاصلون على تأمين صحي للقطاع الخاص من مجموع المستفيدين من النظامين و67 في المائة من المساهمين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذين بلغ عددهم 3.8 ملايين منخرط. كما أن تغطية الطلبة لم تتجاوز 71 ألف و654 طالبا من بين 288 ألفا، أغلبهم من المؤسسات التعليمية العمومية.

تعليمات المؤسسات الدولية

في ظل هذه الوضعية، تستمر الحكومة في تلقي توجيهات مؤسسات مالية دولي وعلى رأسها البنك الدولي الذي طالما ربط منح بعض القروض بتنزيل ما يصفه بالإصلاحات في قطاعات حيوية وعلى رأسها التعليم والصحة والوظيفة العمومية. إصلاحات جعلت الطبقة المتوسطة أمام امتحان تراجع دخلها أمام الانسحاب التدريجي للدولة من بعض الخدمات العمومية التي تكلف ميزانيات مهمة في نفقات الأسر.

وفي المقابل، يستمر البنك الدولي في توجيه انتقاداته للمغرب. ويرى البنك أن الطبقة الوسطى تجد صعوبات في البروز لاسيما بسبب غلاء المعيشة والخلل الوظيفي للخدمات العمومية. فإذا ما افترضنا أن الأسرة تلج إلى الطبقة الوسطى عندما تتوفر على دخل للفرد الواحد يعادل 10 دولارات أمريكية في اليوم الواحد، أي 1200 دولار شهريا لأسرة مكونة من أربعة، فإن 25 بالمئة فقط من ساكنة المغرب تنتمي إلى الطبقة الوسطى.

أكثر من ذلك، فإن البنك يتبنى نظرة تشاؤمية حيال حقيقية وجود طبقة متوسطة في المغرب. فالمؤسسة تعتبر أن عتبة الولوج للوصول إلى الطبقة الوسطى في المغرب أعلى بكثير مما كانت عليه في الأسواق الناشئة الأخرى بسبب مختلف أوجه قصور السياسات العمومية التي تسفر عن تكاليف إضافية هامة بالنسبة للأسر المعيشية.

وتتمثل هذه التكاليف في غلاء العقار وكلفة تعليم الأطفال في القطاع الخاص، الذي بات يفرض نفسه بشكل متزايد كبديل للنظام التربوي العمومي الضعيف، وضعف وسائل النقل العمومية ذات جودة وضعف جودة المنظومة الصحية العمومية، والتغطية الصحية المحدودة والمستويات العالية لمساهمات الـسر المعيشية في الإنفاق على الرعاية الصحية.

خلاصة البنك الدولي، في تقريره حول المغرب في أفق 2040، أنه عندما تؤخذ هذه التكاليف بعين الاعتبار، فإن 15 بالمئة فقط من الأسر المغربية تنتمي إلى الطبقة الوسطى أو الميسورة، التي تعادل حوالي 5 ملايين نسمة من إجمالي ساكنة تناهز 34 مليون نسمة. وترى المؤسسة المالية الدولية أن هذه حالة فريدة من نوعها مقارنة بأهمية الطبقة الوسطى في الدول الناشئة، حيث تقدر هذه النسبة بـ50 في المائة في تركيا والبرازيل.

شاهد أيضاً

18026882 303 310x165 - لماذا فشلت أوربا في ضمان أمنها الطاقي بعيدا عن غاز روسيا؟

لماذا فشلت أوربا في ضمان أمنها الطاقي بعيدا عن غاز روسيا؟

بمجرد تحرُّك آلة الحرب الروسية لغزو عاصمة أوكرانيا كييف، أدرك المجتمع الدولي أن العالم يسير …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *